لهدارة بريس 30/10/2019
صدر عن المحكمة الإدارية بالرباط حكم تحث عدد 192 في غاية الأهمية ,يعتبر الإقتطاع من أجور الموظفين المضربين عن العمل إجراء مشروعا إذا لم يلتزم هؤلاء بإخطار إدارتهم خلال آجال معقولة وكافية. القضاء الإداري هو قضاء إنشائي للقواعد- حتى أن البعض يسمي القانون الإداري بالقانون القضائي – إذ من واجبه كلما تحتم ذلك وضع معايير وضوابط تراعي التطبيق السليم للأحكام التشريعية و التنظيمية حتى تضمن لها الحماية اللازمة من جهة, ولكي لا يتعسف في إعمال ما تضمنه من حقوق من جهة ثانية وإذا كان الإضراب حقا يضمنه – في غياب القانون التنظيمي لممارسته الذي لم يصدر بعد- فمن الطبيعي أن يتدخل القضاء للحيلولة دون الإفراط في هذه الممارسة. والإدارة كمتعهدة بتدبير أمور تتعلق بمصالح المواطنين لها كامل الحق في أن لاتفاجأ بأي انقطاع جماعي عن العمل يصدر عن موظفيها بدون سابق إخطار والمصلحة العامة التي تمثلها المرافق العامة تقتضي من جهتها, أن تتاح لها الفرصة لترتيب أمورها, وذلك بإخبارها خلال آجال معقولة بتاريخ الإضراب ومدته وأسبابه ولعل هذا الحكم محق فيما أقره ومطابق للصواب عندما ربط مشروعية التغيب من أجل الإضراب – لأسباب مهنية بطبيعة الحال – بنظام الإخطار المسبق وفق آجال كافية. ومما يستنتج من حيثياته العناصر التالية:
- أنه يكفي إخبار الإدارة بالرغبة في الإضراب ليكون التغيب من أجل ممارسته مشروعا خارجا عن نطاق أحكام القانون رقم 81/12ومرسومه التطبيقي رقم 2.99.1216 الصادر في 10/05/2000 . وإذا كان التغيب الذي يقع بدون إذن من الرؤساء أو لعذر غير مقبول هو الذي يكون غير مشروع وفق تعريف هذا المرسوم, فإن الإدارة التي تتوصل بإخطار سليم يدعو إلى إضراب,تكون ملزمة بالموافقة عليه ضمنيا لكونها لاتملك حتى الآن أية سلطة تقديرية تمكنها من رفض تصريح بإضراب دون آخر متى كان منحصرا في علاقات الشغل.
*أنه يجوز أن تفترض مشروعية التغيب لممارسة الإضراب كحق دستوري مادام المطلوب حسب ذلك الحكم القضائي هو الإلتزام فقط بنظام الإخطار المسبق بالشروط الملازمة له, وهي التاريخ والمدة والأسباب,ولم تضع المحكمة أي معيار قد تعتمده الإدارة لقبول أو لرفض إعلان الإضراب, بل توقفت عند حدود ضرورة الحفاظ على مبدإ الموازنة بين استمرارية المرفق العام والحق في ممارسة هذا الإضراب. ولو تجاوزت ذلك لاتسم قرارها بالشطط لأن القضاء الإداري مهما اتسعت سلطته الإنشائية فهو ليس مشرعا أو رئيسا تسلسليا للإدارة. *إن مشروعية التغيب عن العمل كممارسة لحق الإضراب قرينة مفترضة تلزم الإدارة مبدئيا بالإفصاح عن رفضها للتصريح المتعلق به متى تبين لها أنه يخرج عن نطاق علاقات الشغل, أو يفتقر لشرطي المدة أو التاريخ, وأن سكوتها بعد توصلها به يعد ترخيصا جماعيا ضمنيا للموظفين بالتوقف عن العمل من أجل ممارسة هذا الحق, مما يطابق إحدى حيثيات الحكم التي تقر بأن الإضراب كحق أصيل لا يقتضي طلبا من قبل صاحب الشأن, ولا يلزم لنشؤه صدور قرار من الإدارة بالترخيص.
*أنه لا يمكن التملص من أحكام المادة 38 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية التي تنص على أن الموظف يكون في حالة القيام بالوظيفة خلال مزاولته لها وأثناء رخصه الإدارية والمرضية, وأن توصل الإدارة بالتصريح بالإضراب بدون تحفظ, يجعل الموظفين المضربين عن العمل متغيبين بصفة مشروعة نتيجة قبوله ضمنيا وموجودين في وضعية القيام بالوظيفة كباقي الوضعيات الأخرى التي يكون فيها الموظف متغيبا عن العمل بترخيص من الإدارة. - أن الموظف المتغيب بصفة مشروعة يتقاضى أجره كاملا- عدا حالات الإجازة الطويلة الأمد – باعتباره قانونيا في حالة قيام بالوظيفة, ويستبعد التذرع بإنتفاء الخدمة المنجزة في حالة الإضراب وحده دون باقي التغيبات الأخرى لأغراض شخصية وغيرها التي يمنح فيها الراتب كاملا. ذلك أن أداء الأجر بالمرافق العامة خلال التغيبات القانونية كالعطلة الأسبوعية والأعياد الدينية والوطنية والرخص الإدارية المختلفة مرتبط بقرينة الخدمة المنجزة, والمشرع سوى من حيث إلزامية أداء الأجر بين حالتي مزاولة العمل والتغيب المشروع مما يبين أن عنصر انتفاء الخدمة المنجزة لا يثار إلا في حالة الإخلال بقواعد الضبط الإداري.
*أن الإقتطاع من الأجر ينظمه القانون كتدبير تأديبي لا تسلكه الإدارة إلا لمواجهة عدم إلتزام الموظف بالإنضباط في عمله, أما التغيب المصرح به من أجل ممارسة الإضراب فهو يخرج عند قبوله ضمنيا –كما سبق ذكره – عن مجال القانون رقم 81/12 , وأن كل دفع بأن الأجر يقابله العمل وبكون غياب الخدمة المنجزة في التغيب المشروع من أجل الإضراب يعد خرقا لأحكام ذلك القانون وأحكام الوظيفة العمومية,وتضييقا غير مبرر على حرية ممارسة حق دستوري. نشير أخيرا إلى أن مجال تطبيق القانون 81/12 ينحصر على: موظفي الدولة والجماعات المحلية ولم يمدد على العاملين بالمؤسسات العامة التي تعمل بالقواعد المماثلة للتي يجري بها العمل بالوظيفة العمومية كالمكاتب الجهوية للإستثمار الفلاحي على سبيل المثال. وهذا ما يجعل هذه المرافق العمومية مفتقرة أصلا لصلاحية زجر التغيبات غير المشروعة بالإقتطاع من الأجر. ونعلم أن المشرع أحاط هذا الأخير بضمانات مختلفة لحمايته في مواجهة المؤاجر أودائنيه ومن بينها أن لا يقتطع منه إلا بقانون أو بمقتضى مقرر قضائي اكتسب حجية نفاذه. و الفراغ القانوني الذي نلاحظه في هذا الشأن بالنسبة للمؤسسات العامة المعنية فسح المجال لتأويلات خاطئة وقرارات متناقضة أو مجردة من حيثياتها القانونية وأسبابها الملازمة لها, أي إلى سلطة تقديرية واسعة مجردة من أية ضوابط حتى أن بعض المرافق اقتطعت مدة الإضراب دون أخرى رغم أنها في وضعيات واحدة , وبعضها الآخر يقتطع مدة إضراب دون آخر.
ب.شوقي ألمانيا